الفساد … أم الضريبة … أم الدخان ؟؟؟
الدكتور حيدر رشيد
تبدو هذه القضايا للوهلة الأولى وكأنها قضايا مختلفة، كما يبدو للوهلة الأولى أيضاً أنها قضايا جديدة على مجتمعنا لم تكن موجودة في السابق، وهي بطبيعة الحال من أكبر وأخطر التحديات التي تواجه الحكومة الحالية التي تشكلت عملياً بعد أن باتت رائحة الفساد تزكم الأنوف، الأمر الذي أنتج ردة الفعل الجماهيرية الغاضبة التي كان من نتائجها تشكيل هذه الحكومة.
السؤال الكبير المطروح هو: ألم تكن هذه القضايا تشكل للحكومات السابقة المتتابعة تحديّاً كبيراً أو خطيراً لكي تعمل على التفكير في حلها، وليس المساعدة في استفحالها رغم مظاهرها العديدة؟ والجواب طبعاً بالنفي، والدليل على ذلك التحدي الكبير الذي أطلقه رئيس الوزراء الأسبق بأن الخمس سنوات الأخيرة لم تشهد حالة فساد واحدة.
استشراء الفساد والقرارات والتعديلات المختلفة على التشريعات ومأساة الدخان هي قضايا مترابطة أساسها الفساد الذي سُينتج – إذا لم يتم اجتثاثه – قضايا مدمرة أخرى؛ وهذه الظاهرة (الفساد) ليست جديدة في بلدنا بل هي قديمة ومتأصلة ولا أدل على ذلك من قضايا الفساد التي أعُلن عن اكتشافها وتحديد مرتكبيها ومستوياتها خلال السنوات الماضية بدون أي إجراء جديّ، وكذلك ما يتداوله الجميع من أن قضية الدخان يعلم الجميع بأن جذورها تعود لسنوات طويلة، ورغم أنها مرتبطة بشكل ما بالتهرب الضريبي إلا أن أساسها هو الفساد بنتائجه المالية والاقتصادية المدمرة، ولمزيد من الدقة ليس الفساد الذي مارسه المُنفذون بل مَن ورائهم، والذي سهل لهم مهمتهم ويقوم بحمايتهم، ويبدو ان شبكة من المتورطين الكبار جداً تقوم بذلك.
محاربة الفساد والقضاء عليه، وبالتالي القضاء على المظاهر السلبية الأخرى كقضية الدخان وغيرها ليست مهمة سهلة، ولا يمكن إنجازها بمجرد تعديل وزاري محدود فرضته حركة الجماهير العفوية الغاضبة، بل الأساس في إنجاز هذه المهمة هو أولاً توفر الإرادة الحقيقية لمحاربته ليس لدى السلطة التنفيذية فقط (مجلس الوزراء)، بل في مواقع القرار المختلفة على كافة المستويات، والتي ربما يكون بعضها مستفيداً من بقاء الوضع كما هو عليه، تلك الإرادة الحقيقية التي تضمن القدرة على مواجهة مراكز القوى التي تقف خلف الفساد وآثاره وتستفيد منها، وهي ليست بالقوى الضعيفة أو السهلة، فقد استطاعت هذه القوى أن تنكر وجود الفساد وتدفع الحكومات المختلفة للتغاضي عنه.
ثانياً، فإن النجاح في محاربة الفساد وآثاره ونتائجه يتطلب إدارة تنفيذية موثوقة ومجربة وذات تاريخ ولا مصلحة لها في بقاء الأمور كما هي عليه، سواء كانت هذه الإدارة هي مجلس الوزراء أو المؤسسات الأخرى ذات العلاقة بمستقبل الوطن.